فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
اعلم أن قوله: {وَإِذْ قَالَتْ} معطوف على قوله: {إِذْ يَعْدُونَ} وحكمه حكمه في الإعراب وقوله: {أُمَّةٌ مِّنْهُمْ} أي جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين ركبوا الصعب والذلول في موعظة أولئك الصيادين حتى أيسوا من قبولهم لأقوام آخرين ما كانوا يقلعون عن وعظهم.
وقوله: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} أي مخترمهم ومطهر الأرض منهم {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} لتماديهم في الشر، وإنما قالوا ذلك لعلمهم أن الوعظ لا ينفعهم وقوله: {قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} فيه بحثان:
البحث الأول: قرأ حفص عن عاصم {مَعْذِرَةً} بالنصب والباقون بالرفع، أما من نصب {مَعْذِرَةً} فقال الزجاج معناه: نعتذر معذرة، وأما من رفع فالتقدير: هذه معذرة أو قولنا معذرة وهي خبر لهذا المحذوف.
البحث الثاني: المعذرة مصدر كالعذر، وقال أبو زيد: عذرته أعذره عذرًا ومعذرة، ومعنى عذره في اللغة أي قام بعذره، وقيل: عذره، يقال: من يعذرني أي يقوم بعذري، وعذرت فلانًا فيما صنع أي قمت بعذره، فعلى هذا معنى قوله: {مَعْذِرَةً إلى رَبّكُمْ} أي قيام منا بعذر أنفسنا إلى الله تعالى، فإنا إذا طولنا بإقامة النهي عن المنكر.
قلنا: قد فعلنا فنكون بذلك معذورين، وقال الأزهري: المعذرة اسم على مفعلة من عذر يعذر وأقيم مقام الاعتذار.
كأنهم قالوا: موعظتنا اعتذار إلى ربنا.
فأقيم الاسم مقام الاعتذار، ويقال: اعتذر فلان اعتذارًا وعذرًا ومعذرة من ذنبه فعذرته، وقوله: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي وجائز عندنا أن ينتفعوا بهذا الوعظ فيتقوا الله ويتركوا هذا الذنب.
إذا عرفت هذا فنقول: في هذه الآية قولان:
القول الأول: أن أهل القرية منهم من صاد السمك وأقدم على ذلك الذنب ومنهم من لم يفعل ذلك، وهذا القسم الثاني صاروا قسمين: منهم من وعظ الفرقة المذنبة، وزجرهم عن ذلك الفعل، ومنهم من سكت عن ذلك الوعظ، وأنكروا على الواعظين وقالوا لهم: لم تعظوهم، مع العلم بأن الله مهلكهم أو معذبهم؟ يعني: أنهم قد بلغوا في الإصرار على هذا الذنب إلى حد لا يكادون يمنعون عنه، فصار هذا الوعظ عديم الفائدة عديم الأثر، فوجب تركه.
والقول الثاني: أن أهل القرية كانوا فرقتين: فرقة أقدمت على الذنب، وفرقة أحجموا عنه ووعظوا الأولين، فلما اشتغلت هذه الفرقة بوعظ الفرقة المذنبة المتعدية المقدمة على القبيح، فعند ذلك قالت الفرقة المذنبة للفرقة الواعظة {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ} بزعمكم؟ قال الواحدي: والقول الأول أصح، لأنهم لو كانوا فرقتين وكان قوله: {مَعْذِرَةً إلى رَبّكُمْ} خطابًا من الفرقة الناهية للفرقة المعتدية لقالوا: وَلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ} أي عصبة وجماعة منهم وهي الظلمة للأمة الواعظة {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} لأن الواعظة نهوهم عن أخذ الحيتان، وخوفوهم، فرد عليهم الظلمة {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} {أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبّكُمْ} قرأ عاصم في إحدى الروايتين {مَعْذِرَةً} بالنصب يعني: نعتذر إلى ربكم.
وقرأ الباقون {مَعْذِرَةً} بالضم يعني: هي معذرة يعني: لا ندع الأمر بالمعروف حتى نكون معذورين عند الله تعالى: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} يعني: لعلهم ينتهون. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}.
واختلف العلماء في الفرقة الذين قالوا: {لِمَ تعظون قومًا} كانت من الناجية أو من الهالكة؟ فقال بعضهم: كانت من الناجية لأنّها كانت من الناهية.
وقال آخرون: كانت من الفرقة الهالكة، لأنّهم كانوا من الخاطئة وذلك أنهم لما نهوا وقالوا لهم انتهوا عن هذا العمل قبل أن ينزل بكم العذاب فإنّا قد علمنا أن الله تعالى منزل عليكم بأسه إن لم تنتهوا قالوا لهم {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} إذ علمتم أنّ الله معذبهم {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} أي هذه معذرة، وقرأ حفص: معذرة أي يفعل ذلك معذرة {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} صيد الحيتان والصواب أنها كانت من الفرقة الناجية وأن هذا الكلام من قول المؤمنين بعضهم لبعض لأنّه لو كان الخطاب للمعتدين لقالوا: ولعلكم تتّقون يدلّ عليه قول يمان بن رئاب نحن الطائفتان اللذان قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} والذين قالوا: {مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} فأهلك الله أهل المعصية الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة وخنازير.
وقال ابن عباس: ليت شعري ما فعل هؤلاء الذين قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} قال عكرمة: فقلت له: جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} فلم أزل به حتّى عرّفته أنهم قد نجوا فكساني حلّة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}.
قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت، وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت، وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه، وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطغيان العاصية وعتوها قالت للناهية {لم تعظون قومًا} يريدون العاصية {الله مهلكهم أو معذبهم} على غلبة الظن وما عهد من فعل الله حينئذ بالأمم العاصية، فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله، ثم اختلف بعد هذا فقالت فرقة إن الطائفة التي لم تعص ولم تنه هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي، قاله ابن عباس، وقال أيضًا: ما أدري ما فعل بهم، وقالت فرقة بل نجت مع الناهية لأنها لم تعص ولا رضيت قاله عكرمة والحسن وغيرهما، وقال ابن الكلبي فيما أسند عنه الطبري إن بني إسرائيل لم تفترق إلا فرقتين، فرقة عصت وجاهرت وفرقة نهت وغيرت واعتزلت، وقالت للعاصية إن الله يهلكهم ويعذبهم، فقالت أمة من العاصين للناهين على جهة الاستهزاء لم تعظون قومًا قد علمتم أن الله مهلكهم أو معذبهم.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أصوب، وتؤيده الضمائر في قوله: {إلى ربكم ولعلهم} فهذه المخاطبة تقتضي مخاطِبًا ومخاطبًا ومكنيًا عنه، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي {معذرةٌ} بالرفع، أي موعظتنا، معذرة أي إقامة عذر، وقرأ عاصم في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف {معذرةً} بالنصب أي وعظنا معذرة، قال أبو علي حجتها أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا لنصب.
قال القاضي أبو محمد: الرجل القائل في هذا المثال معتذر عن نفسه وليس كذلك الناهون من بني إسرائيل فتأمل، ومعنى {مهلكهم} في الدنيا {أو معذبهم} في الآخرة، وقوله: {لعلهم يتقون} يقتضي الترجي المحض، لأنه من قول آدميين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإذ قالت أُمَّةٌ منهم}.
قال المفسرون: افترق أهل القرية ثلاث فرق، فرقة صادت وأكلت، وفرقة نهت وزجرت، وفرقة أمسكت عن الصيد، وقالت للفرقة الناهية: {لم تعظون قومًا الله مهلكهم} لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين، فقالت الفرقة الناهية: {معذرةٌ إلى ربكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {معذرةُ} رفعًا، أي: موعظتُنا إياهم معذرةٌ، والمعنى: أن الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء عذرًا إلى الله.
وقرأ حفص عن عاصم: {معذرةً} نصبًا، وذلك على معنى نعتذر معذرةً.
{ولعلهم يتقون} أي: وجائز أن ينتفعوا بالموعظة فيتركوا المعصية. اهـ.

.قال القرطبي:

وقرأ عيسى وطلحة {معذِرةً} بالنصب.
ونصبُه عند الكسائيّ من وجهين: أحدهما على المصدر.
والثاني على تقدير فعلنا ذلك معذرة.
وهي قراءة حَفْص عن عاصم.
والباقون بالرفع: وهو الاختيار؛ لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارًا مستأنَفًا من أمر لِيمُوا عليه، ولكنهم قيل لهم: لِم تَعظون؟ فقالوا: موعظتنا معذرة.
ولو قال رجل لرجل: معذرةً إلى الله وإليك من كذا، يريد اعتذارًا؛ لنصب.
هذا قول سيبويه.
ودلّت الآية على القول بسدّ الذَّرائع.
وقد مضى في البقرة.
ومضى فيها الكلام في الممسوخ هل ينْسُل أم لا، مبيّنًا.
والحمد لله.
ومضى في آل عمران والمائدة الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر.
ومضى في النساء اعتزال أهل الفساد ومجانبتهم، وأن من جالسهم كان مثلهم؛ فلا معنى للإعادة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وإذ قالت أمة منها لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم}.
اختلفوا في القائلين هذه المقالة فقال بعض المفسرين إن أهل القرية افترقوا ثلاث فرق اعتدت وأصابت الخطيئة وفرقة نهتهم عن ذلك الفعل وفرقة أمسكت عن الصيد وسكتت عن موعظة المعتدين.
وقالوا للناهين: لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا، يعني أنهم لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير متعظين ولا منزجرين فقالت الفرقة الناهية للذين لاموهم.
معذرة إلى ربكم يعني أن موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب علينا فموعظتنا لهؤلاء عذر لنا عند الله: {ولعلهم يتقون} أي: وجائز عندنا أن ينتفعوا بالموعظة فيتقوا الله ويتركوا ما هم فيه من الصيد وقال بعضهم: إن أهل القرية كانوا فرقتين فرقة نهت وزجرت عن السوء وفرقة عملت بالسوء فعلى هذا يكون الذين قالوا لم تعظون قومًا الله مهلكهم الفرقة المعتدية وذلك أن الفرقة الناهية قالوا للفرقة المعتدية انتهوا قبل أن ينزل بكم عذاب شديد إن لم تنتهوا عما أنتم فيه فقالت لهم الفرقة المعتدية: لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا؟ والمعنى: لم تعظونا وقد علمتم أن الله مهلكنا أو منزل بنا عذابه، والقول الأول أصح لأنهم لو كانوا فرقتين لكان قولهم معذرة إلى ربكم خطابًا من الناهية للمعتدية. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى رّبكم ولعلهم يتقون} أي جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين جرّبوا الوعظ فيهم فلم يروه يجدي والظاهر أن القائل غير المقول لهم {لم تعظون قومًا} فيكون ثلاث فرق اعتدوا وفرقة وعظت ونهت وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعتد وهذه الطائفة غير القائلة للواعظة {لم تعظون}، وروي أنهم كانوا فرقتين فرقة عصت وفرقة نهت ووعظت وأن جماعة من العاصية قالت للواعظة على سبيل الاستهزاء {لم تعظون قومًا} قد علمتم أنتم أنّ الله: {مهلكهم} أو معذبهم.
قال ابن عطية: والقول الأوّل أصوب ويؤيده الضمائر في قوله: {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} فهذه المخاطبة تقتضي مخاطبًا انتهى ويعني أنه لو كانت العاصية هي القائلة لقالت الواعظة {معذرة إلى ربهم ولعلهم} أو بالخطاب {معذرة إلى ربكم} ولعلكم {تتقون} ومعنى {مهلكهم} مخترمهم ومطهّر الأرض منهم أو معذبهم عذابًا شديدًا لتماديهم في العصيان ويحتمل أن يكون العذاب في الدنيا ويحتمل أن يكون في الآخرة وإن كانوا ثلاث فرق فالقائلة: إنما قالت ذلك حيث علموا أن الوعظ لا ينفع فيهم لكثرة تكرره عليهم وعدم قبولهم له ويحتمل أن يكونا فرقتين عاصية وطائعة وإنّ الطائعة قال بعضهم لبعض لما رأوا أنّ العاصية لا يجدي فيها الوعظ ولا يؤثر شيئًا: {لم تعظون}؟ وقرأ الجمهور {معذرة} بالرفع أي موعظتنا إقامة عذر إلى الله ولئلا ننسب في النهي عن المنكر إلى بعض التفريط ولطمعنا في أن يتقوا المعاصي، وقرأ زيد بن علي وعاصم في بعض ما روى عنه وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف {معذرة} بالنصب أي وعظناهم معذرة، قال سيبويه: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا لنصب انتهى، ويختار هنا سيبويه الرفع قال لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارًا مستأنفًا ولكنهم قيل: لهم {لم تعظون} قالوا: موعظتنا معذرة، وقال أبو البقاء: من نصب فعلى المفعول له أي وعظنا للمعذرة، وقيل: هو مصدر أي نعتذر معذرة وقالهما الزمخشري. اهـ.